الشجرات الثلاث
على ربوة عالية، نمت ثلاث شجرات من ثلاث بذور غُرست بجانب بعض. وقفت الشجرات تحت   أشعة الشمس ذات يوم يحلمن ماذا يُردن أن يصرن عندما يكبرن؟

نظرت الأولى نحو السماء وفكرت في النجوم التي تلمع ليلاً وقالت: "أتمنى أن أحمل كنوزاً.. أُريد أن أمتلئ بالذهب، واللؤلؤ والجواهر الثمينة. أريد أن أكون أجمل صندوق للكنوز في العالم".

تأملت الثانية جدول المياه الذي ينحدر من على الربوة حتى يصب في المحيط وقالت: "أريد الإبحار فوق المياه، وأنا أحمل الملوك وجنودهم. أتمنى أن أصبح أقوى وأمتن سفينة تجوب المحيطات"


أما الثالثة فلم تفكر كثيراً بل قالت: "وأنا لا أريد ان أترك هذا المكان الجميل، وهذه الربوة العالية، بل أريد أن أكبر وأكبر حتى أصير أكبر شجرة في العالم... وعندما يأتى الناس ليروني يدهشون لحجمي ، فيرفعون أعينهم نحو السماء ويقولون: الله.. ما أجمل وأكبر هذه الشجرة.. ما أعظم صنائع الله؟! وهكذا أُذّكرهم بقدرة الله وعظمته دائماً "

توالت الأيام والفصول والأعوام... سقطت الأمطار وسطعت الشمس وكبرت الأشجار الثلاث... وذات يوم جاء ثلاث حطابين للغابة، نظر الأول للشجرة الأولى وقال: "هذه الشجرة جميلة وستفي بغرضي". وبضربات من فأسه سقطت الشجرة الأولى وقالت في نفسها:

"الأن سأصبح أجمل صندوق، وسأحمل أغلى وأثمن الكنوز في العالم"

لفتت الشجرة الثانية نظر الحطاب الثاني فقال: "تلك الشجرة هى بالضبط ما أطلب"، وأنزل فأسه بضربات متوالية فسقطت وهى فرحة تقول: "الآن سأصبح أقوى سفينة تجوب المحيطات"

أما الثالث، فلم ينظر قط حوله بل قال: "أنا اريد أي شجرة فأي واحدة ستؤدي الغرض" وهكذا سقطت الشجرة التي كانت تريد أن تشير إلى السماء وتُحدث بعظمة الله.

تهللت الشجرة الأولى عندما أخذها الأول لنجار، ولكنها صُدمت إذ رأت أنها أصبحت صندوقاً يوضع فيه أكل البهائم. لم تتحقق أمنيتها بحمل أغلى المجوهرات وأثمنها، بل حملت التبن والبرسيم لتأكل منها البهائم والخراف الجائعة.

ابتسمت الشجرة الثانية عندما وجدت نفسها داخل ميناء صغير، ولكنها أيضاً صُدمت إذ لم يصنعوا منها سفينة قوية، بل مجرد مركبة صيد بسيطة تصلح فقط للإبحار في البحيرات الصغيرة، لقد كانت أصغر وأضعف من أن يصنعوا منها سفينة كبيرة.

أما الشجرة الثالثة فأخذها الحطاب وصنع منها أعواداً كثيرة ثم ألقى بها في مخزن ما...بكت الشجرة وهى تفكر إن كل ما كانت تتمناه أن تصبح شجرة كبيرة تمجد الله وتُحدث بعظمته.

مرت أيام وليالى وقاربت الشجرات الثلاث على نسيان أحلامهن... ولكن ذات ليلة أضاءت السماء بنجمة براقة... شعرت الشجرة الأولى بيد تمسك بها وتقول: "هذه تصلح لوضع طفل بها إذا ملأناها بالتبن" وفجأة تهللت إذ أدركت الشجرة الأولى أنها فعلاً تحمل داخلها أعظم وأثمن هدية للبشرية كلها.

وذات مساء تعب السيد وتلاميذه فركبوا المركب المصنوعة من الشجرة الثانية ليعبروا إلى الضفة المقابلة...و فجأة عندما كان السيد مستريحاً نائما على وسادة، هبت ريح عاصفة كادت تُغرق السفينة، فصرخ التلاميذ نحو معلمهم قائلين: "أما يهمك إننا نغرق". فقام وانتهر الريح فصار هدوء عظيم قالت الشجرة في قلبها، لقد اشتهيت حمل الملوك، وأنا الآن أحمل ملك الملوك خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. كم أنا فرحة إذ أخذت فوق ما كنت أشتهى وأتمنى ولو بعد حين حتى إنني كدت أنسى حلمي.

صباح يوم جمعة شعرت الشجرة الأخيرة بيد تأخذها وتمر بها وسط جمع صارخ وهائج. وإذا بيد تسمر عليها... أدركت إنه الخالق... اقشعرت... شعرت بأنها قاسية...هذه القسوة فوق الاحتمال، لقد استخدموها كصليب لهذا الفادي الحنون المحب. تألمت الشجرة وكادت تبكي... وهى ترى السماء تظلم والأرض تتشقق تمنت لو استطاعت بأن تنزل هذا المصلوب عنها... ولكنه أسلم الروح ومات.

ولكن... في فجر يوم الأحد قام المسيح بزلزلة عظيمة قفزت الشجرة من الفرحة... لقد أعطتها القيامة القوة... لم تعد علامة للضعف بل علامة للنصرة والقوة والغلبة والمحبة...تحققت أمنية الشجرة على أعلى المستويات، لقد أصبحت تشير إلى عظمة الله وقدرته التي لا تُحد... وكل من يراها يُمجد الله بل وينال الخلاص.

فكما رفع موسى الحية في البرية وكان يبرأ كل من لدغته الحية، هكذا ابن الإنسان رُفع على الصليب ليُحرر أولاده من عبودية العدو. نالت الشجرة أمنيتها ولو بطريقة أخرى... أليس هذا أفضل من أن تظل شجرة كبيرة على ربوة عالية؟!

 

هل طلبت من الرب طلباً ولم يتحقق؟ هل تمنيت أمنية ولكنك تشعر بأن الظروف لن تحلم أبداً بتحقيقها؟

ثق يا حبيبي أن الله يستجيب بطريقة أروع وأكمل مما نتخيله أو نتمناه وحتماً سيأتي ولو في الهزيع الأخير ليحقق طلبات كل المؤمنين. نعم يا حبيبى أن الله لم ولن ينساك. ولكنه لا ريب آت في الوقت الذي يختاره هو... في ملئ الزمان... كن مستعداً ومنتظراً قدومه إليك.

"يا صانعي أنت عالم بما يناسبني، وهل يسعني أن أفكر بأن خالقي الذي عرف كيف يكوّنني قد نسى كيف يعاملني؟"


رصد قنشرين

عودة