ابن من انت ؟
منذ عدة سنوات كان استاذ كلية لاهوت مع زوجته يمضيان عطلتهما السنوية في احدى مدن ولاية تينيسي وصادف انهما كانا   في احد المطاعم عندما اقترب رجل متقدم في السن من طاولتهما وسألهما بلطف ٍ:
- من أين انتما ؟
اجاباه : من ولاية اوكلاهوما
قال : اهلا وسهلا ً بكما في ولاية تينيسي
- ما هو عملك يا صديقي ؟
اجابه الاستاذ : انني ادرّس في كلية اللاهوت
اجاب الشيخ - هذا يعني انك تعلّم الوعاظ كيف يعظون

وبعد ان أخذ كرسيا ً وجلس بقربهما اكمل حديثه قائلا ً : اذا دعني اقص عليك قصة ً سوف تعجبك كثيرا ً :
هل ترى ذلك الجبل ( قال مشيرا ً اليه ِ من احدى نوافذ المطعم ) في سفح ذلك الجبل عاش ولد  منذ سنين كثيرة ، ولد ٌ وُلد لفتاة خارج رباط الزواج ، لذا واجه صعوبات كثيرة خلال طفولته ، فكان حيثما توجه في بلدته يُسأل هذا السؤال : يا ولد ابن من انت ؟ بسبب ذلك السؤال المحرج والمتكرر كان الولد يبتعد عن الناس ، ففي المدرسة كان يختبأ من رفاقه اثناء الفرص ووقت الغذاء ، كان ايضا ً يتحاشى قدر المستطاع الذهاب الى أي مكان ٍ عام في البلدة هربا ً من الاحراج المخجل . عندما بلغ ذلك الولد سن الثانية عشرة جاء واعظ ٌ جديد ٌ الى الكنيسة التي كان يواظب عليها ، ولكي يتحاشى الناس وسؤالهم التقليدي : ( ابن من انت ؟ ) كان دائما ً يصل الى الكنيسة متأخرا ً قليلا ً ويترك قبل نهاية الخدمة بلحظات ، لكن يوما ً من الايام لم يستطع الخروج بسرعة كعادته فوجد نفسه مضطرا ً ان يخرج مع باقي العابدين ومضطرا ً ايضا ً ان يصافح كباقي الناس الواعظ الجديد . لم يكن ذلك الواعظ على علم بوضع الولد العائلي لذا صافحه بحرارة ٍ وسأله : يا بني ابن من انت ؟ ساد صمت ٌ رهيب حول باب الكنيسة وكانت كل الانظار متجهة نحو الولد والواعظ . احس خادم الله بحراجة الموقف ولاحظ الاضطراب على وجه ذلك الولد المسكين فتدارك الامر بحكمة ٍ اعطاه اياها الرب في تلك اللحظات الدقيقة فقال : انا اعرف تماما ً ابن من انت لانني ارى الشبه بكل وضوح ، ثم اضاف الخادم بكل ثقة ٍ انت ولد ٌ من اولاد الله ثم ربت على كتفه وقال : اريدك بان تعلم وتتأكد ان لك ميراثا ً عظيما ً ومن حقك ان تطالب به . عندما سمع ذلك الولد تلك الكلمات المشجعة والتي لم يسمع نظيرها من قبل ابتسم وخرج من باب الكنيسة انسانا ً جديدا ً ومن ذلك اليوم لم يعد كما كان بل تغيرت حياته تغييرا ً جذريا ً واصبح لديه جواب ٌ لكل من يسأله : ابن من انت ؟ كان يجيب على الفور انني ولد ٌ من اولاد الله . عندها وقف الشيخ الوقور واضاف وهو يهم بالذهاب : أليست هذه قصة عظيمة ؟

- أجابه الاستاذ : انها قصة عظيمة جدا ً ورائعة ، لا شك انني ساستخدمها مرارا ً وتكرارا ً.
ثم انهى الشيخ حديثه بالقول: هل تعلم انه لو لم يقل لي ذلك الواعظ الشاب بانني ولد ٌ من اولاد الله لما كان لحياتي أي معنى ً على الاطلاق ، ثم انطلق الشيخ الوقور لكن كلماته استقرت في ذهن ذلك الاستاذ وزوجته اللذين اخذ بهم الذهول كل مأخذ . ما ان غادر الشيخ المطعم حتى نادى الاستاذ نادل المطعم بسرعة وسأله : هل تعرف هذا الشيخ الذي كان جالسا ً معنا ؟ اجاب بابتسامة عريضة : طبعا ً اعرفه ليس انا فقط بل كل سكان هذه البلدة يعرفونه انه السيد بن هوبر الحاكم السابق لولاية تينيسي .

اظن انك انت ايضا ً أُعجبت بهذه القصة الحقيقية والمميزة ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما هي العبرة منها ؟ يذكر الواعظ المعروف ريك وارن في كتابه المشهور ( الحياة الهادفة ) ما يلي : ان ولادتك لم تكن خطأ ً ولا حظا ً عاثرا ً كما ان حياتك ليست رمية ً بلا رام ٍ . ربما لم يخطط والداك لميلادك لكن الله قد قام بذلك ، وهو لم يندهش عند ولادتك لكنه توقعه . قد يكون هناك زواج ٌ غير شرعي كما حصل بالنسبة لبن هوبر لكن لا يوجد طفل ٌ ليس له اب ٌ وأم ، والله عالم ٌ تماما ً بما يحصل من اخطاء بشرية ومن خطايا لكن الله لا يخطئ ولا يخلق خلائقه بالصدفة بل لديه أسباب قيمة ودوافع صالحة لذلك . ان الدافع الذي دفع الله لكي يخلقك هو المحبة . ان الانسان هو مركز حبه وأغلى ما في الخليقة كلها . يقول الكتاب المقدس ان الله " شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ " ( يعقوب 1 : 18 ) . الله الذي يملأ الوجود بجلاله وقدرته هو الذي صنعك بقصد ٍ معين واراد ان تكون حياتك ذات معنى ً عظيم ولا يمكننا ان نكتشف هذا المعنى الا عندما يكون الله هو محور حياتنا وهدفها .

رصد قنشرين

عودة