هل تشعر بوجود الله؟
على رصيف كورنيش سياحى بالمدينة الجميلة سيدنى جلس ثلاثة من مواطني استراليا الأصليين ، يرتزقون بعزف الموسيقى   البسيطة على مزمار (هورن ) ، ويقدمون عروضاً شعبية من التراث . من بين العروض كانت هذه الفقرة التى اشتهروا بها ، وضع الثبات ، مكونين لوحة ثابتة ، لا يطرفون العين ولا يرمشونها لفترات طويلة ، ويغيرون الوضع ببطء شديد غير ملحوظ وبحرفية عالية ، فإن عدت إليهم بعد ساعة قد تلاحظ بعض التغيير فى الصورة.

أردت إختبار قوة ثباتهم ، فتسللت خلفهم ولقط لي أحد الأصدقاء بعضاً من الصور معهم ، ثم تظاهرت بأنني أستغل وضع الثبات الذي اتخذوه ، وأمسكت بزجاجة المياه الخاصة بأحدهم وكأنني سأقوم بسرقتها ، ومضيت في طريقي فعلاً بضعة خطوات متباعداً ومنتظراً رد الفعل بأن يستوقفني أحدهم أو يحاول أن ينادي منبهاً بإيقافي ، ولكن لم يفعل ، كان هدفهم الثبات وعدم الحركة ، فأعدت الزجاجة متعجباً .

يفعلون هذا من أجل لقمة العيش ، أما العم " أبسخيرون " القرابني في كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بإحدى قرى مصر ، فكان يفعل من أجل شعوره الكامل بحضور الله .
لقد أصيب هذا القديس المعاصر بخراج أثر حقنة ملوثة ، كان كهلا مسناً ، فلم يحتمل جسده الضعيف النحيل ، ارتفعت درجة حرارته جداً ، وارتعش جسده ، ولكنه ظل أميناً لقانون صلواته لا يهملها أبداً .

حاول الأصدقاء من شعب الكنيسة علاجه ، وأحضروا الطبيب لفتح الخراج وتنظيفه ، ولكنه كان كطفل صغير ، يبكي مرتعباً من فكرة الجراحة ، ويرفض بشدة ، وهنا تنبه أبونا الكاهن إلى فكرة : " هل تعلمون يا أحبائي أن عم أبسخيرون يحترم وقفة الصلاة جداً ، فلو عضه ثعبان وهو يصلي فى الكنيسة ، فلن يتحرك أبداً " هكذا قال أبونا لمحبي الرجل ، وفعلا ، أتوا بالطبيب ليلاً ، وتسللوا إلى الكنيسة وعم أبسخيرون ممسكاً بأجبيته مصلياً صلاة نصف الليل ، لم يتحرك ولم يلتفت اليهم ، تقدموا ، ورفعوا ثيابه القروية البسيطة وهو منتصباً يصلي ، ولم يهتز الرجل ، بل استمر مردداً مزاميره وكأنه تمثال ثابت ، إلا من دموع جرت على خديه غزيرة بعد أن شعر بالمؤامرة ، وهكذا تم فتح خراجه وتنظيفه .

تذكرت قصة عم أبسخيرون التى حكاها لى والدي ، عن رجل كنا نسمعه يتكلم مع السيدة العذراء ونحن أطفالاً ، وهو يخبز القربان ، وتذكرته وأنا أرى هؤلاء الأسترال فى ألعابهم وعروضهم من أجل لقمة العيش ، وقارنت بين احترامهم للقمة عيشهم ، وبين ما نفعله نحن أثناء الصلاة .

 بكيت على حالنا فى الكنائس اليوم ، وهل نشعر بوجود الله حالاً بها ، فنحترم بيته ووجوده؟!

رصد قنشرين

عودة