صليبها
كانت فتاة جميلة في إحدى مدن إيطاليا وقد عاشت في بيتٍ جميل سعيد حيث كان طريق الحياة ناعماً وليناً لها ، وتزوجت في سن مبكرة من شاب جميل محبوب وأنجبت منه ثلاثة أطفال ، وكان البيت سعيداً وكان جوّه مبهجاً ، ولكن المصائب لم تتركها   ، فقد دهمتها كارثة شديدة على حين غرّة ، إذ حملوا لها زوجها يوماً ميتاً ، سقطت عليه شجرة في الغابة ، وكانت التجربة قاسية حتى أنها لم تستطع أن تقبل إرادة الله ، فتمردت عليها وصيّرها ذلك جامدة وقاسية ، وقد كافحت كفاحاً عظيماً لتصد الفقر عن باب عشتها فاشتغلت ليلاً ونهاراً لتتمكن من إطعام وكساء أولادها ، على إنها كانت تفعل ذلك بروح شديدة خالية من الحب حتى أن نفس أولادها بدأوا يخافون منها وكانوا يجرون ليختبؤا إذا اقتربت منهم وقت لعبهم .

وفي إحدى الليالي أحست أنها لا تستطيع أن تحتمل أكثر مما احتملت ولذلك صلّت قبل أن تضطجع قائلة : يا رب خذ نفسي ، هذا اكثر مما أستطيع احتماله .

وفي نومها رأت حلماً ، وإذا هي واقفة في غرفة ليس فيها شئ إلا صلبان ، بعضها كبير وبعضها صغير ، البعض أبيض والآخر أسود ، وقد وقف إلى جانبها المسيح نفسه وقال للمرأة ، اعطني صليبك الذي هو ثقيل جداً عليك واختاري لنفسك صليباً بدله من هذه الصلبان المعلقة على الجدار ،وما كادت المرأة تسمع هذه الكلمات حتى وضعت في يدي المسيح صليبها ، صليب حزنها ، ومدت يدها وأخذت صليبا بدا لها صغيراً وخفيفاً ، ولكنها ما أن رفعته حتى أحست انه ثقيلٌ جداً .

 أجاب السيد : هذا صليب شابة أصيبت بالكساح في سن مبكرة وستظل كسيحة كل أيام حياتها وستعيش داخل أسوار المستشفى لا ترى الحقول ولا الطبيعة الجميلة ويندر جداً أن ترى وجه صديق ، فإذا ما عاشت عشرين سنة أخرى فستكون عشرين سنة على فراش المرض ، وسألت السيدة : لكن لماذا يبدو صليباً صغيراً ؟ فأجاب السيد : لأنها تحتمله من أجلي !

وتحركت السيدة ببطء وتناولت صليبا آخر ، كان صغيراً وكان خفيفاً أيضاً ولكنها ما أن امسكته حتى ألهب يدها بنارٍ حامية ، ومن شدة الألم صرخت وسألت إذ سقط الصليب من يدها ، صليب من هذا يا الهي ؟
 وأجاب السيد : إنه صليب امرأة ، زوجها شرير جداً ، وهي تحتمل صليبها دون أن تظهره مع انه يحرق كل ساعة كل قطعة من جسدها وكثيراً ما تخبئ أولادها منه لئلا يسيء إليهم ، وفي كل هذا لا تزال شجاعة وشفوقة !

وأخيراً رفعت المرأة صليباً آخر ، وقد ظهر أنه خفيف وصغير وغير ملتهب ، ولكنها حالما امسكته شعرت كأن جليداً يلمس يدها ، وصرخت آه يا سيدي صليب من هذا ؟
 فأجاب : هذا صليب امرأة كان لها يوماً ستة أطفال أُخذوا منها واحداً بعد آخر ، وقلبها الآن يعيش عند القبور الستة في المقبرة !

وقد طرحت المرأة ذلك الصليب أيضاً ، وقالت سأحتفظ بصليبي من أجلك .

وفي الصباح ظل الحلم ثقيلاً على نفسها ، وكان رسالة موبخة لها ، لذلك فكرت أن تعمل على أن تكون لطيفة نحو أولادها وخاضعة لإلهها ، ومرت الأيام ولاحظ أولادها أن محبتها عادت إليهم مرة أخرى ، وكذلك جيرانها رأوا رقتها وحاولوا ان يعينوها ، وعادت البهجة إلى حياتها .

انسكبت نعمة الله عليها كالندى عندما أخذت صليبها وحملته من أجله !


رصد قنشرين

عودة