ورقة من مذكرات صانع المسامير
كان يوماً ربيعياً معتدل الحرارة لم يكن صيفياً ولا شتوياً , ذلك اليوم الذي جاءني به شلة من جنود الرومان بصحبة قائد مئة وأنا أقف امام كور النار احمي به الحديد , وبيدي المطرقة تطوع الحديد كيفما أشاء ,جائوا في طلب تسعة مسامير كبيرة   لاستعمالها في عملية الصلب ,لم اسعد لهذا الطلب رغم وفرة المال الذي دفعوه مقابل ذلك ,فأنا أعلم أن هذه المسامير ستدق في أطراف أترابي من اليهود ,ولكن لا مناص من أن اجهز لهم طلبهم على الفور , نحيت ما كان بيدي جانبا ,وابتدأت العمل ،كان جسدي ينتفض وانا أنتشل قطعة الحديد المحمرة من النار وأضعها على السندان وما أن انهال عليها بالمطرقة حتى يتخيل لي انني اسمع صراخا يصم أذناي ويمزق فؤادي , وما أن أنهيت مهمتي قررت انهاء العمل والذهاب خلف الجنود لأتابع عملية الصلب عن كثب وأشاهد هذا الحدث المؤلم رغم صعوبته .

وقفت هناك على تلة يقال لها جلجثة تقع خارج أسوار المدينة , وكان جمعاً صاخباً يملأ المكان , ورأيتهم ثلاثة شبان كل منهم يحمل خشبة على كتفه , مسوقين من جنود الرومان وهم يلهبون ظهورهم بالسياط التي تمزق أجسادهم . لم يطل الوقت حتى كان الثلاثة مسمرين على صلبانهم الخشبية . تأملت هذا المشهد بحرقة وألم كاد أن يفقدني صوابي لهوله .

لقد علمت من الجمع الواقف ان اثنان من المصلوبين هم لصوص ينفذ فيهم اليوم هذا الحكم , واما ذلك المعلق في الوسط أنا أعرفه , انه هو ذلك الشخص الذي طرد الباعة والصيارفة من الهيكل وطهره . نعم أنه هو الذي استقبلته المدينة منذ عدة أيام بسعف النخل وطرحت له ثيابها ليسير عليها , أليس هو من وقف أمام القبر في بيت عنيا ونادى الميت فخرج حياً , كيف يموت اليوم وبهذه الطريقة البشعة .

تجولت بين الواقفين أسترق السمع لبعض أقوالهم الى أن ساقتني قدماي الى عدد من النساء كن واقفات بصحبة شاب عرفته فيما بعد انه يوحنا , وقفت الى جوارهم وما ان انتهى كل شيء رجعت معهم واصبحت تلميذاً لمن أحبني ومات من أجلي , ومن ذلك اليوم توقفت عن صناعة المسامير أصبحت أصنع الصلبان تخليداً لذلك اليوم العظيم .

بقلم: يوسف الياس متى
رصد قنشرين

عودة