الوصفة العجيبة
جاءني عابساً مغموماً، وكأنّه يحمل على كتفيه جبالاً من الهموم، وتلالاً من المصاعب، وارتمى على الكنبة متأفّفاً يلعن الدّنيا   والتاريخ والحياة.

 - ما بك يا صاحبي، ما بك يا انسان؟ بالامس القريب فقط، كانت ضحكاتك ترنّ وتملأ الفضاء، وكانت مشاريعك مُلوّنة، مزدهرة، تمشي على قدمين وتركض من نجاح الى آخَر... ماذا جرى، أفِدني.

- وعينكَ ما زالت مشاريعي تضجّ وتزدهر، وما زال الدولار يهرول بمتعة نحو خزائني، لكن القضية لا تكمن هنا، انها تتعلّق بالنكهة والفحوى، بل قل كما تقول انت دوماً: " الشَّبَع الداخليّ ".
فإنّني يا صاحبي أشعر بالفراغ، الفراغ الرّهيب، والذي حاولت جاهداً أن أسكته وأملأه بمباهج الدُّنيا والحفلات الصّاخبة وأطايب الطّعام فازداد فراغاً واتساعاً!

إنّني أشعر في نفسي هوّة عظيمة، لا تشبع ولا تريد أن تشبع.

دُلّني على وصفة تُريحني، تسدُّ رمقي وجوعي وترفعني الى فوق....فوق  المادّة وفوق المباهج الآنيّة وفوق الربيع المنحدر نحو الخريف.

دُلّني وقدني الى الفرح الذي يملأ حياتك، وأنت لا تعرف البحبوحة كما أعرف، ولا تُكدّس الاموال كما أفعل!!!....

فابتسمت ابتسامة خفيّة وقلت في نفسي: لقد أزفت السّاعة. فلطالما تحدثت معه وكان يقول: بعدين...مش وقتو..وتنهدت وقلت:

 "اغسل عينيْك يا صاحبي كلّ يوم بالكلمة.  وطهّر شفتيك بالجمرة، وتنزّه يا انسان كلّ يوم في ربوع الموعظة على الجبل، ورافق معلّم الاجيال في جولانه وجولاته ومحطات آلامه، وتنفّس بعمق من نُسيمات الايمان وطلّ المحبّة، واشرب ماءً سلسبيلاً من ماء الحياة وكُل من على مائدة الربّ خبزَ الحياة، فتنام هادئاً، مطمئناً يداعب الرّجاء أجفانك ويدغدغ الايمان أحلامك...

انها وصفة طبيّة من فوق يا صاحبي، من العلاء، من لدُن مَن أحبنا حتى المُنتهى.

وصفة طبيّة تجعل الذئب حمَلا، والعوسج ورداً، والعويل ضحكاً، والنعيب زقزقةً.

ارتسمت الحيْرة على وجه صاحبي وقال: اين أجد مثل هذا الدواء؟

فقمت الى كتاب الحياة، وأمسكته برفق بعد أن طبعت على جبينه قبلة الشّكر والعرفان، ثمّ فتحت أوراقه وقرأت له الموعظة على الجبل؛ أروع ما خطّ قلم وأبدع أدب، وأجمل وأقدس ما احتواه كتاب.

انبهر صديقي واستكان ثم ما لبث ان قال:
- اذن الزّاد هنا والماء الحيّ هنا والأهم الحياة هنا.... وأشار الى كتاب الحياة؛ الكتاب المُقدّس.
فابتسمت ابتسامة الرّضا وهززت رأسي موافقاً، وازدادت نفسي شبَعاً.


بقلم: زهير دعيم
رصد قنشرين

عودة